تقع سقيفة بني ساعدة في الجهة الشمالية الغربية من المسجد النبوي بين مساكن قبيلة بني ساعدة الخزرجية، وكانت السقيفة داخل مزرعة تتخللها بيوت متفرقة حيث تسكن قبيلة بني ساعدة داخل البساتين المتجاورة، وقد كانت سقيفة بني ساعدة كبيرة بحيث اجتمع فيها عدد كبير من الأنصار، وأمامها رحبة واسعة تتسع لهذا العدد إن ضاقت عنهم السقيفة نفسها، وكان بقربها بئر لبني ساعدة. وتحولت هذه السقيفة فيما بعد إلى مبنى، تغيرت أشكاله عبر العصور، وهو الآن حديقة تطل مباشرة على السور الغربي للمسجد النبوي.
لما قبض محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، انحاز هذا الحي من الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة، واعتزل علي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله في بيتفاطمة الزهراء وانحاز بقية المهاجرين إلى أبو بكر الصديق وانحاز معهم أسيد بن حضير في بني عبد الأشهل فأتى آت إلى أبي بكر وعمر بن الخطاب فقال إن هذا الحي من الأنصار مع سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة قد انحازوا إليه فإن كان لكم بأمر الناس حاجة فأدركوا قبل أن يتفاقم أمرهم ورسول الله في بيته لم يفرغ من أمره قد أغلق دونه الباب أهله. قال عمر فقلت لأبي بكر انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار، حتى ننظر ما هم عليه.
قال الإمام أحمد بن حنبل: ثنا إسحاق بن عيسى الطباع، ثنا مالك بن أنس، حدثني ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن ابن عباس أخبره أن عبد الرحمن بن عوف رجع إلى رحله قال ابن عباس : وكنت أقرئ عبد الرحمن بن عوف فوجدني وأنا أنتظره وذلك بمنى في آخر حجة حجها عمر بن الخطاب. فقال عبد الرحمن بن عوف: إن رجلا أتى عمر بن الخطاب. فقال: إن فلانا يقول: لو قد مات عمر بايعت فلانا. فقال عمر: إني قائم العشية إن شاء الله في الناس فمحذرهم هؤلاء الرهط الذين يريدون أن يغصبوهم أمرهم. قال عبد الرحمن: فقلت: يا أمير المؤمنين لا تفعل فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم، وأنهم الذين يغلبون على مجلسك إذا قمت في الناس فأخشى أن تقول مقالة يطير بها أولئك فلا يعوها ولا يضعوها مواضعها، ولكن حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة والسنة، وتخلص بعلماء الناس وأشرافهم فتقول ما قلت متمكنا، فيعون مقالتك ويضعوها مواضعها. قال عمر: لئن قدمت المدينة صالحا لأكلمن بها الناس في أول مقام أقومه. فلما قدمنا المدينة في عقب ذي الحجة وكان يوم الجمعة عجلت الرواح صكة الأعمى قلت لمالك: وما صكة الأعمى؟ قال: إنه لا يبالي أي ساعة خرج لا يعرف الحر والبرد، أو نحو هذا، فوجدت سعيد بن زيد عند ركن المنبر الأيمن قد سبقني، فجلست حذاءه تحك ركبتي ركبته فلم أنشب أن طلع عمر، فلما رأيته قلت: ليقولن العشية على هذا المنبر مقالة ما قالها عليه أحد قبله. قال: فأنكر سعيد بن زيد ذلك وقال: ما عسيت أن يقول ما لم يقل أحد. فجلس عمر على المنبر، فلما سكت المؤذن، قام فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد أيها الناس فإني قائل مقالة وقد قدر لي أن أقولها لا أدري لعلها بين يدي أجلي، فمن وعاها وعقلها فليحدث بها حيث انتهت به راحلته، ومن لم يعها فلا أحل له أن يكذب علي، إن الله بعث محمدا بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان فيما أنزل عليه آية الرجم، فقرأناها ووعيناها، وعقلناها، ورجم رسول الله ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: لا نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة قد أنزلها الله عز وجل فالرجم في كتاب الله حق على من زنا إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة، أو كان الحبل أو الاعتراف، ألا وإنا قد كنا نقرأ: لا ترغبوا عن آبائكم فإن كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم، ألا وإن رسول الله قال: «لا تطروني كما أطري عيسى بن مريم، فإنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله» وقد بلغني أن قائلا منكم يقول: لو قد مات عمر بايعت فلانا، فلا يغترن امرؤ أن يقول: إن بيعة أبي بكر كانت فلتة فتمت، ألا وأنها كانت كذلك، إلا إن الله وقى شرها، وليس فيكم اليوم من تقطع إليه الأعناق مثل أبي بكر، وأنه كان من خبرنا حين توفي رسول الله أن علياوالزبير ومن كان معهما تخلفوا في بيت فاطمة بنت رسول الله وتخلف عنها الأنصار بأجمعها في سقيفة بني ساعدة، واجتمعالمهاجرون إلى أبي بكر، فقلت له: يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار، فانطلقنا نؤمهم حتى لقينا رجلان صالحان، فذكرا لنا الذي صنع القوم فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ فقلت: نريد إخواننا من الأنصار. فقالا: لا عليكم أن لا تقربوهم واقضوا أمركم يا معشر المهاجرين. فقلت: والله لنأتينهم، فانطلقنا حتى جئناهم في سقيفة بني ساعدة فإذا هم مجتمعون، وإذا بين ظهرانيهم رجل مزمل فقلت: من هذا؟ قالوا: سعد بن عبادة. فقلت: ماله؟ قالوا: وجع، فلما جلسنا قام خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله وقال: أما بعد، فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام، وأنتم يا معشر المهاجرين رهط نبينا، وقد دفت دافة منكم...
Read moreقصة السقيفة على لسان عمر رضي الله عنه : ال ابن عباس : فقدمنا المدينة في عقب ذي الحجة فلما كان يوم الجمعة عجلت الرواح حين زالت الشمس فأجد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالسا إلى ركن المنبر فجلست حذوه تمس ركبتي ركبته فلم أنشب أن خرج عمر بن الخطاب ، فلما رأيته مقبلا ، قلت لسعيد بن زيد ليقولن العشية على هذا المنبر مقالة لم يقلها منذ استخلف قال فأنكر علي سعيد بن زيد ذلك وقال ما عسى أن يقول مما لم يقل قبله فجلس عمر على المنبر فلما سكت المؤذنون قام فأثنى على الله بما هو أهل له ثم قال أما بعد فإني قائل لكم اليوم مقالة قد قدر لي أن أقولها ، ولا أدري لعلها بين يدي أجلي ، فمن عقلها ووعاها فليأخذ بها حيث انتهت به راحلته ومن خشي أن لا يعيها فلا يحل لأحد أن يكذب علي إن الله بعث محمدا ، وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل عليه آية الرجم فقرأناها وعلمناها ووعيناها ، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل والله ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء وإذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف ثم إنا قد كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تطروني كما أطري عيسى ابن مريم ، وقولوا : عبد الله ورسوله ثم إنه قد بلغني أن فلانا قال والله لو قد مات عمر بن الخطاب لقد بايعت فلانا ، فلا يغرن امرئ أن يقول إن بيعة أبي بكر كانت فلتة فتمت وإنها قد كانت كذلك إلا أن الله قد وقى شرها ، وليس فيكم من تنقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر فمن بايع رجلا عن غير مشورة من المسلمين فإنه لا بيعة له هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا ، إنه كان من خبرنا حين توفى الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن الأنصار خالفونا ، فاجتمعوا بأشرافهم في سقيفة بني ساعدة ، وتخلف عنا علي بن أبي طالب والزبير بن العوام ومن معهما ، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر فقلت لأبي بكر انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار ، فانطلقنا نؤمهم حتى لقينا منهم رجلان صالحان فذكرا لنا ما تمالأ عليه القوم وقال أين تريدون يا معشر المهاجرين ؟ قلنا : نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار ، قالا : فلا عليكم أن لا تقربوهم يا معشر المهاجرين اقضوا أمركم .
قال قلت : والله لنأتينهم فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة فإذا بين ظهرانيهم رجل مزمل فقلت : من هذا ؟ فقالوا : سعد بن عبادة ، فقلت : ما له ؟ فقالوا : وجع . فلما جلسنا تشهد خطيبهم فأثنى على الله بما هو له أهل ثم قال أما بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام وأنتم يا معشر المهاجرين رهط منا ، وقد دفت دافة من قومكم قال وإذا هم يريدون أن يحتازونا من أصلنا ، ويغصبونا الأمر فلما سكت أردت أن أتكلم وقد زورت في نفسي مقالة قد أعجبتني ، أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر وكنت أداري منه بعض الحد فقال أبو بكر على رسلك يا عمر فكرهت أن أغضبه فتكلم وهو كان أعلم مني وأوقر فوالله ما ترك من كلمة أعجبتني من تزويري إلا قالها في بديهته أو مثلها أو أفضل حتى سكت قال أما ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل ولن تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش ، هم أوسط العرب نسبا ودارا ; وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم وأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا ، ولم أكره شيئا مما قاله غيرها ، كان والله أن أقدم فتضرب عنقي ، لا يقربني ذلك إلى إثم أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر .
قال قائل من الأنصار : أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش . قال فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى تخوفت الاختلاف فقلت : أبسط يدك يا أبا بكر فبسط يده فبايعته ، ثم بايعه المهاجرون ، ثم بايعه الأنصار ، ونزونا على سعد بن عبادة ، فقال قائل منهم قتلتم سعد بن عبادة : قال فقلت : قتل الله...
Read moreفي ذات يوم وفاة النبي في 12 ربيع الأوَّل سنة 11هـ، المُوافق فيه 7 يونيو سنة 632م، اجتمع نفر من الأنصار في سقيفة(1) بني ساعدة، وهو مكان من عريش يُستظل بها الناس من الشمس، وهي الدار التي اعتادوا أن يعقدوا فيها اجتماعاتهم ومجالسهم، وتعود لبني ساعدة. فاجتمع الأنصار أوسهم وخزرجهم لاختيار أميرًا من بينهم، واتفق الأنصار على مُبايعة سعد بن عبادة الخزرجي، فأجلسوه وعصبوه بعصابة وثنوا له وسادة. بينما كان علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله في بيت فاطمة. وكان المهاجرون مجتمعين عند أبي بكر حين خطب فيهم بعد وفاة النبي، كما كان النبي قد استخلفه على إمامة صلاة المسلمين عند مرضه.
فقال عمر لأبي بكر: يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار، فخرجوا، فبينما هم في الطريق لقوا رجلين من الأنصار، وهما: عويم بن ساعدة ومعن بن عدي أخو بني العجلان.(2) فأخبروهم بما حدث في السقيفة من اجتماع الأنصار على سعد بن عبادة، فانطلقوا حتى وصلوا إلى سقيفة بني ساعدة، فلما جلسوا قام خطيب الأنصار، فأثنى على الله وقال: «أما بعد، فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام، وأنتم يا معشر المهاجرين رهط نبينا، وقد دفت دافة منكم تريدون أن تختزلونا من أصلنا، وتحصنونا من الأمر.»
فلما سكت أراد عمر بن الخطاب أن يتكلم، وكان قد أعدّ في نفسه خطابًا يريد أن يُلقيه، فأشار إليه أبو بكر أن ينتظر، ثم قام أبو بكر فقال: «أما بعد فما ذكرتم من خير فأنتم أهله، وما تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسبًا ودارًا، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين أيهما شئتم». وأخذ بيدي عمر بن الخطاب وأبي عبيدة بن الجراح، يقول عمر: «فلم أكره مما قال غيرها، كان والله أن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك إلى إثم أحب إلي أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر، إلا أن تغير نفسي عند الموت».
فقال قائل من الأنصار يقال أنه الحباب بن المنذر: «أنا جُذَيلُها المُحَكَّك، وعُذيقُها المُرَجَّب. منا أمير، ومنكم أمير». فكثر اللغط، وارتفعت الأصوات، فقال: يا معشر الأنصار ألستم تعلمون أن رسول الله قد أمر أبا بكر أن يؤم الناس، فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر، فقالت الأنصار: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر. فقال عمر: أبسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده فبايعته، وبايعه المهاجرون، ثم بايعه الأنصار. ونزونا على سعد بن عبادة فقال قائل منهم: قتلتم سعدا. أي "خذلتموه". وفي رواية قال عمر: "يا معشر المسلمين إن أولى الناس بأمر النبي الله ثاني اثنين إذ هما في الغار، وأبو بكر السباق المسن"، ثم أخذ بيده وبادر رجل من الأنصار وهو بشير بن سعد بن ثعلبة، فضرب على يده قبل أن يضرب عمر على يده، ثم ضرب على يده...
Read more