بدأ تاريخ حديقة الحرية مع نهضة القاهرة العمرانية في عهد الخديوي إسماعيل، الذي أراد أن يحوّل العاصمة إلى قطعة من أوروبا، ويجد متنفساً للمدينة فأخذ في إنشاء الحدائق العامة وزوّدها بالأشجار المعمرة والنادرة، ومن ضمنها حديقة الحرية التي أنشأها عام 1876، وعرفت حينها بحديقة النيل، وفي عام 2001 تم تجديد الحديقة وأعيد افتتاحها.

تبلغ مساحة الحديقة حوالي سبعة أفدنة، وتمتاز بتصميم هندسي يشطرها إلى نصفين متناظرين مع ممشى رائع من الصخور الحمراء، بينما يحاط مدخل الحديقة بصفين من أشجار النخيل الملكي، ذات الأوراق الريشية اللامعة والجذوع البيضاء الرخامية، وهو من أجمل أصناف النخيل وأفخمها، بجانب مجموعة من الأشجار المعمرة.

ويحاط سور الحديقة بمجموعة من النباتات المتسلقة، التي تتميز بألوان زاهية على غرار أشجار الأكاسيا بأزهارها الصفراء الزاهية والكثيفة، مع أشجار الفيكس هاواي ذات اللون الأبيض والأخضر، بجانب أحواض الزهور التي تنتشر في أركان الحديقة لتملؤها بهجة وإشراق. هنا يمتزج سحر الطبيعة والمساحات الخضراء مع التاريخ وصانعيه، حيث تجد في وسط هذه المروج الملونة تماثيل شامخة لأعلام الثقافة والفكر، فيحمل كل تمثال اسم صاحبه وبعض المعلومات عنه.

نجد أمير الشعراء أحمد شوقي يجلس شارداً وسط هذا الجمال، وكأنه يكتب إحدى قصائده الخالدة. وعلى بعض خطوات تمثال حافظ إبراهيم مزهواً مستريحاً بالقرب من صفحة نهر النيل، وكيف لا وهو صاحب لقب شاعر النيل والشعب؟ وها هو تمثال محرر الاقتصاد المصري طلعت حرب الذي أنشا “بنك مصر” للتحرر من القيود الاستعمارية الاقتصادية.

رحلة عبر تاريخ الحرية والاستقلال تبدأ من مصر مع شهيد الحرية عبد المنعم رياض، أحد أشهر العسكريين العرب في النصف الثاني من القرن الماضي، والذي استشهد في أرض المعركة في حرب الاستنزاف المصرية عام1969.

ومن ضفاف نهر النيل تنقلك تماثيل الحديقة إلى ساحل المحيط الهادئ، وتحديداً إلى قارة أميركا الجنوبية، حيث تجد نفسك أمام تمثال محرر تشيلي ورئيس أول حكومة وطنية برناردو أوهيغينز، وبطل بيرو وزعيمها الذي ألغى العبودية ريمون كاستيلا، بجانب البطل المكسيكي ميغيل إيدالغو إي كوستيا صاحب “صرخة دولوريس” التي أطلقت الثورة المكسيكية. تماثيل كل هؤلاء من رواد حركات التحرر مهداة من دول أميركا اللاتينية كرمز للصداقة المشتركة مع مصر. موقع الحديقة يؤكد اسمها ويعزز معناه، فلا حرية من دون فن وثقافة. لذلك تقع حديقة الحرية في مواجهة دار الأوبرا المصرية، ذلك الصرح الثقافي الكبير الأول من نوعه في العالم العربي، والذي يضم متحف الفن المصري الحديث ولوحاته ذات الاتجاهات الفكرية المتنوعة.

وعلى بعد خطوات من الحديقة نجد متحف محمود مختار، الذي يعتبر تحفة معمارية تزخر بأعمال فنية قيّمة وتشهد على تاريخ الفنان الذي أيقظ فن النحت المصري من سباته الذي امتد لقرون وأعاد النحات المصري إلى خريطة المبدعين بالعالم، كما كان أجداده الفراعنة هم الرواد الأوائل لهذا الفن. داخل الحديقة سوف تقضي يوماً مميزاً بتكلفة محدودة حيث لا تتجاوز تذكرة الدخول بضعة جنيهات، وهو مكان للتنزه وسط مناظر رائعة نابضة بالحياة تمتع هواة التصوير والباحثين عن لقطات طبيعية وإنسانية بألوان دافئة، بالإضافة إلى ممرات المشي وأماكن الجلوس ومقهى الحديقة لتناول ما تريده.

منذ فترة، تشهد الحديقة إقامة الحفلات والمهرجانات الشبابية ما جعلها ساحة ومنطقة جذب جماهيري لإقامة الفعاليات الثقافية والفنية. منقول